2009/08/05

رمضان شهر الطعام ... للأسف !!!!!!!!!

قال معروف الرصافي :

أكبّ على الخِوان وكان خِفّا = فلمّا قام أثقله القيام
ووالَىِ بينها لُقماً ضِخاماً = فما مَرِئت له اللُقم الضخام
وعاجَل بلعَهنّ بغير مضغ = فهنّ بفيه وضع فالْتهام
فضاقّت بطنه ِشبعا وشالت = إلى أن كاد ينقطع الحزام
فأرسلت اللحاظ إليه شَزْراً = وقلت له روَيدك يا غلام
أرى اللقمات تأخذها حلالاً = فتدخل فاك وهي به حرام
قد انتضدت بجوفك مُفردات = تخلَّل بينها الداء العُقام
أتزدرد الطعام بغير مضغ = على أيام صحتك السلام
ألا أن الطعام دواء داء = به ابتُليَت من القِدم الأنام
فداوِ سَقام جُوعك عن كَفاف = فأكثار الدواء هو السَقام
وما أكل المطاعم لألتِذاذ = ولكن للحياة بها دوام
طعام الناس أعجب ما أحبّوا = فمنه حياتهم وبه الحِمام
يقودهم الزمان إلى المنايا = و ما غير الطعام لهم ِزمام
وأعجب منه أن الناس راموا = تنَوُّعه ألا بئس المرام
إذا أستَعصى القَفار عليك أكلاً = كفاك من القَراح له أدام
حَذارِ حذار من جَشَع فإني = رأيت الناس أجْشعها اللئام
وأغبى العالمين فتىً أكول = لفِطنَتِه ببِطنَتِه انهزام
ولو أني استطعت صيام دهري = لصمت فكان دَيدَنيَ الصيام
ولكن لا أصوم صيام قوم = تكاثر في فُطورهم الطعام
إذا رمضان جاءهم أعَدُّوا = مَطاعم ليس يُدركها انهضام
فإن وضح النهار طَوَوا ِجياعاً = وقد نهِموا إذا اختلط الظلام
وقالوا يا نهار لئن تُجِعنا = فإن الليل منك لنا انتقام
وناموا مُتْخَمين على امتلاء = وقد يتجَشّؤُون وهم نيام
فقل للصائمين أداء فرض = ألا ما هكذا فُرض الصيام

كل عام و أنتم بخير
شهر رمضان الكريم على الأبواب
المفترض و المعروف لكل الناس ، أن شهر رمضان المبارك هو شهر الصيام ، و لكن الملاحظ أنة تحول إلى شهر الطعام و ليس شهر الصيام .. للأسف !!!
ناهيك عن أنه فى أغلب بلادنا العربية أصبح شهر الفوازير و المسلسلات ، فهذا ليس موضوعنا .
سأتكلم عن الوضع عندنا فى مصر
قبل رمضان بشهر تقريباً تبدأ الأسرة المصرية فى شراء مستلزمات رمضان ، و ما ادراك ما هى مستلزمات رمضان
1 - الياميش ، و هو البندق و اللوز و الجوز (عين الجمل ) و جوز الهند ، و التين المجفف و القراصيا (البرقوق المجفف ) و المشمش المجفف ، و الزبيب و البلح أو التمر طبعاً .
2 – الحبوب ، و يتم تخزين كميات هائلة من الارز و المكرونة و الشعيرية و الدقيق ( الطحين ) و دقيق السميد
3 – اللحوم و الدواجن
4 – المشروبات الرمضانية : كالعرقسوس ، و التمر الهندى و قمر الدين (المشمش ) و الخروب و عصير المانجو ، و الكركدية .
5 – السكر : و هو العنصر الأساسى فى رمضان لعمل أطباق الحلويات المختلفة و تحلية العصائر و عمل الخشاف
6 – السمن و الزبد : للطهى و الحلويات
7 – البقول : خصوصاً الفول لزوم السحور
8 - الألبان و منتجاتها : الجبن بانواعها المختلفة لزوم السحور و اللبن الزبادى ، و هذة طبعاً لا يتم تخزينها و إنما يتم شراؤها بصفة يومية تقريباً خلال الشهر .
9 – الخضروات و الفاكهة : لزوم السلطة و الخضروات المطهية و الفاكهة للتحلية بعد التحلية بالحلويات !!!
10 – مستلزمات أخرى : مواد مساعدة مثل الطحينة و المسطردة و الكاتشب و المايونيز و الشاى و القهوة و التوابل المختلفة و شراء الفانيليا و البيكنج بودر و الكاسترد و الجيلى و كمية لا بأس بها من الكنافة و القطائف و البسبوسة لتجهيزها أثناء الشهر .

العام الماضى قمت بتحليل وجبة إفطار قدمتها لى أمى على الإفطار كان بها شوربة لسان عصفور غارقة فى الدسم ، لحم مشوى و كفتة لحم مشوية أيضاً ، و قطعة هائلة من مكرونة فرن بالبشاميل (بها لحم مفروم طبعاً ) ، و بطاطس محمرة ، و سلطة طحينة و سلطة خضراء (طبعاً بها صلصة فرنسية بالزيت و المسطردة )، و الحلو كان قطعة كنافة تكفى لإشباع عائلة كاملة ، و طبعاً قبل هذا كلة ، كان هناك كوب عملاق من الخشاف ( و هو كل ما ذكر فى بند الياميش ، منقوعاً فى اللبن الحليب ).

الحقيقة أنا نظرت إلى الأطباق على المائدة و قمت بإخراج تليفونى المحمول و صورت المائدة كاملة بكل محتوياتها ، و بعد الإفطار ، و بعد الإفاقة من حالة العته و التخلف العقلى التى تصيبنا بعد الإفطار دائماً ، أحضرت اللابتوب ، و قمت بإستجواب أمى كمحققين الشرطة عن المقادير المستخدمة فى تجهيز كل صنف من الأصناف و قمت بإدخال بيانات الوجبة لفرد واحد و تحليلها ، و يا لهول ما وجدت ، هل تتخيلون أن الوجبة الواحدة للشخص الواحد إحتوت على 2750 سعر حرارى !!!!!!!!!
وجبة واحدة بعد صيام يقارب 12 ساعة بها 2750 سعر حرارى ، أى أكثر من إحتياجات شخص بالغ فى يوم كامل .
نسبة الدهون كانت تقترب من 40% من السعرات الكلية !!!!!
مصيبة طبعاً
، إلى الأن لم نحسب وجبة السحور و ما قبلها من عصير و شاى و قهوة
و السحور فى مصر له طقوس يصعب تغييرها ، فيجب أن يحتوى على الفول المدمس بالزيت و البيض المسلوق و الجبن (نوعين على الأقل ) و الخيار و اللبن الزبادى و الخبز طبعاً ثم يختتم بالشاى أو الشاى بالحليب مع تناول قطعة أخرى من الحلوى الباقية من الإفطار .!!
و المحصلة النهائية ، لا يوجد عمل فى رمضان تقريباً ، اللهم إلا أطباء الباطنة و الجهاز الهضمى الذين ينتظرون قدوم هذا الشهر لزيادة دخلهم !!!!
و إصابة اكثر من نصف الصائمين بعسر الهضم ، و الحموضة ، و زيادة الوزن ، و بعض المحظوظين يخرجون من رمضان و معهم هدية و هى الإصابة بالبول السكرى !!!!
الغريب أن هذا كله يفترض أن يحدث عكسه تماماً فى رمضان فهو شهر الصوم ، أى الإمتناع عن الطعام نصف اليوم تقريباً ، و الصلاة و العبادات الزائدة كصلاة التراويح مثلاً (أى حرق سعرات حرارية أكثر ) و لكن نخرج من الشهر الكريم الفضيل المبارك ، سهر العبادات و الصوم ، ب 4 – 6 كيلوجرامات زيادة فى شهر واحد ، و فقدان مدخراتنا التى أضعناها فى شراء الياميش ( كيلو البندق 45 جنية – كيلو عين الجمل المقشر 65 جنية .. على سبيل المثال )
إنتظروا !!!!
لم ينته الامر بعد
فبعد رمضان يأتى العيد ، و عيد الفطر له طقوسه ، ( كعك و بتيفور ، و غريبة ، و بسكويت ) و المزيد من الأموال المفقودة و المزيد من الكيلوجرامات المكتسبة فى الوزن ، و لا عزاء لأخصائيين التغذية .
الجميع- حسب الموروث الاجتماعي المصرى - يصرّون على تكريم الشهر الفضيل بالمزيد من الولائم والطعام و(تبييض الوجه) مع الأقارب والأصدقاء ؟!.. أوليس شهر رمضان شهر التواصل والتوادد والرحمة؟!.. وهذه المعاني والأهداف النبيلة لاتقاس بكمية الطعام ونوعيته ؟!.. أيها الأعزاء؛ تهاني لكم بحلول هذا الشهر الكريم مع دعوة من القلب - لنا جميعاً - بأن يكون رمضان شهر عبادة ومحبة ورحمة كما أراد له الله أن يكون.. و إرحمونا و إرحموا أنفسكم يرحمكم الله .